لم ينقضي الاسبوع الاولى من عمر الدراما الرمضانية الجزائرية إلا وعرشها يهتز تحت إبلاغات ” لجنة اليقظة ” وهي التي كلفت من طرف وزارة الإتصال لمراقبة المحتوى الدرامي الرمضاني الذي يستحق الرقابة والانتباه . لأن الدراما تستطيع تغير القناعات وتصنع توجهات الرأي العام ، لكن أن تصل الدراما المنتجة الى ان ترفع ضدها بطاقة حمراء فتلك حالة جزائرية استثنائية تمس الدراما رأسا والتى تفلت فى احيان كثيرة الى ان تغدو تحت طوائل البطاقات الحمراء التى تحول دون الانتشار المأمول للإنتاج الدرامي الوطني المحلي عندنا وتضرب في مقتل مجهودات المنتجين المنخرطين فى انتاجها كل عام .
مسلسل ” البراني ” بدا من أولى مشاهده أنه مثير كثيرا وموغل في الإثارة لطوائف شتى من الجزائريين على اعتبار أن الثقافة الجزائرية محافظة ولا تقبل قضايا مضرة بالوعي و قواعد التربية سيما قنان الخمر والحانات وشقراوات الليل والداعرون ورجال الشوارع والمافيا والملاهي وكل هذا يقدم وجبة درامية في الشهر الفضيل من فئة من المنتجين الى الشعب كله.
البراني على ما يبدو لي فنيا مكتمل الاشتغال الصورة و في إدارة الممثلين والألبسة والإكسسوار والتعريف بعوالم الملاهي والمافيا وأبناء منتصف الليل وهم يشكلون نسبة ضئيلة جدا لا تقاس بعموم المجتمع الجزائري ولا ادري عن هذه الدراما التى تخاطب بعادات الاقلية وعي الاغلبية ، وهذا التبني الدرامي الضيق ما أضعف الدراما عندنا وجعلها فاجعة ، فهل تستحق كل هذه الجهود والسبنسورينغ والداعمين ؟ وهل تستحق هذه المادة أن تبث من قناة لطالما ارتبطت بالاصلاح المجتمعي وإن كنت لا أحكم على الدراما بهذه المعايير فهي خارج التقييم الهوياتي إن كان للدراما هوية واخلاقةعندنا بما نعرفه طبعا عن ليال و يوميات الجزائريات .
لكن الغريب و العجيب أن تتدخل لجنة اليقظة وفي لحظة متأخرة ، لحظة بعيدة قليلا وقد بثت أربع حلقات من المسلسل ، وأنتج المنتوج و ربما تقاضي الممثل أجره و أخد المخرج أمواله و صب السبنسورينج و الداعمين مبالغ المتفق عليها من اجل هذه الدراما وصانعيها و القنوات الباثة لها ، اعتقد تدخل وزارة الإتصال أنه متأخر قليلا بمقاسات المهنية كان يجب وضع لجنة اليقظة فى رقابة قبلية ، فلم لا تكون هناك رقابة قبلية عندنا من وزارة الإتصال ؟ولم لا تنشء لجنة يقظة وطنية من أجل الدراما على مستويات القنوات و وزارة الثقافة و الاتصال فيراقبون الدراما قبل بثها ، لأن البطاقة الحمراء للبراني ” المنتظرة ” سوف تضر كثيرا بهذه الدراما الجزائرية نفسها عن طريق إضعافها وجعلها ضد الجماهير ثم خسائر للمنتجين ومنه يشتد الحذر على الإقبال لإنتاج الدرامي الجزائري الضعيف أصلا ، فلم لا نتعلم التدخل في الوقت و المكان المناسبين كما يفعل اشقاء لنا وهو امر متاح لو توفرت الثقافة الأصلية وليست المصطنعة
لكن ما يثيرني أن القناة الباثة لهذه الدراما لم تحرك ساكنا أمام حساسية ما سيشاهده الجزائريون من مشاهد وحوارات وسلوكيات ربما تصنف في خانة المحظور و المشينة عند البعض وعادية عند البعض الآخر وهذه أذواق لا تناقش، لكن ألا تتوفر القناة على لجنة مشاهدة قبل البث والفصل في بث دراما بعينها، إن كان الأمر كذلك فإن الواقع الدرامي على مستوى الإنتاج في فوضى وشطط وإن القنوات لا قابض لها عندما يتعلق الأمر بالأموال و إن وزارة الإتصال متأخرة كثيرا وتتدخل لتزيد صب الزيت على النار و إن كانت نيتها صادقة..
الحدوثة وما فيها
بدأ كل شيء من منشور على صفحة فايسبوك من الفنانة المسرحية و السينمائية ” نوال مسعودي ” التي عبرت عن رأي يشاركها فيها الكثير كون الدراما عندنا موقفة على شليلة و جماعات ثم أنها أضافت في حوارها مواضيعها للخمر و المافيا و الدعارة هذه الأوصاف دفعت بمخرج ” البراني” من الرد ثم اكتفى الجميع بالتهدئة ليأتي الأمر من سلطات عليا حول ضرورة فهم ما يجري و تتحرك لجنة اليقظة ، ربما في هذا كله، الجميع على حق و الجميع على باطل مالم تضبط الأوضاع الدرامية و الإنتاجية و التعاملية في الوسط الفني الجزائري على قواعد والأهم الرقابة على مستويات السيناريوهات و الرقابة ما قبل العروض ، و أن توضع حدود لا يجب تجاهلها فيما يتعلق بصور بعينها و مواضيع بعينيها و اكسسورات بعينها ، لكن ما حدث حدث وننتظر ما ستقوله لجنة اليقطة.
موفقي من الحدوثة
على مستواي الشخصي أنا مع حرية التعبير في المجال الدرامي وللمخرج والمنتج جميع اشراطات الحرية في إنتاج أعمالهم لكن عليهم أيضا الحرص على عدم جرح المقومات الأساسية للجمهور المستهدف، ومراعاة بالخلفية الثقافية للجزائريين التي يبدو لي؛كما يعلم البعيد قبل القريب أننا مجتمع محافظ لذا كان ضروريا أن تأتي الدراما الرمضانية و غير الرمضانية وفق الخلفية الثقافية، لكنني ضد المنع الدراما ومع حرية التعبير و الابداع مدامت اخذت طريق البث ومرت على الرقابة القبلية ، لكن ما يقلقني ان مسلسل ” البراني ” بدا مقبولا لدي القناة الباثة و المنتج والمخرج بل ويعتبرونه من انجح الدراما و الاكثر اقبالا جماهيرا على الشاشات و المنصات .
يسين بوغازي