منتظرة بشغف هذه الدراما الرمضانية المبهرة ، منتظرة بشغف وهو مضاعف مع الدراما الجزائرية وقد بدت تؤسس ببطء جمهورها العريض وتلقي أمام أبصاره مسلسلات جزائرية اليد اللسان لكن هناك دراما جزائرية ودراما صورت في الجزائر ليس نفس الشيء ، وهي إجمالا هذا العام سبع قصص ، عشر مسلسلات صيغت كلها دراميا ضمن أطر و أبعاد جزائرية على ما يعلن صانعوها ، عشر أعمال من دراما حديثة التقنية ومفرطة الصنعة سترافق ليالي الشهر الكريم من شاشات قنوات خاصة و شاشة التلفزيون الجزائري الحكومي ، لقد صدق من قال إن الجزائر قارة وهي على المقاسات نفسها قارة من الدراما المتنوعة الغنية المصادر و الأطروحات لكنها لم تستغل على الوجه المطلوب بعد وما تزال متخفية أو متروكة على امتدادات الجغرافيا والجهات والداخل كله الثري باللهجات و العادات و القصص والتراث ، فلم لا تستغل الدراما الجزائرية هذه الجماليات وتكتفي بدراما عاصمة الوجه و المكان ؟
ويبدو سابقا عن الأوان تناول هذه المسلسلات العشرة في التقويمات الفنية والحبكات وطرائق العرض لأنها لم تعرض الى حلقاتها الاولى ، لكن ما تثيره هذه المسلسلات أنها مميزة قليلا بل وطاغية في التميز العاصمي، كلها عاصمة الهوى إنتاجا وحوارا وكوادرا ممثلين وتقنين ومخرجين إلا في اليسير الضئيل ويبدو ليّ قد حان وقت فهم هذا الانحصار رغم أن الدراما التلفزيونية الجزائرية بدأت من الجهات في أولى تجلياتها
وهذه الظاهرة بدأت منذ سنوات تأسس لها عدة اختيارات ضيقة عند منتجين غير مجتهدين ومنتجين منفذين لا يخرجون من العاصمة بل إن دراما المسلسلات المنتجة من التلفزيون الحكومي سقطت في بؤرة ذاتها وغدت تستعين بما هو متوفر في العاصمة
بدوافع إنتاجية يحركها الربح السريع، أو بدوافع ضيق آفاق المنتجين وقصور معارفهم، أو بدوافع أخرى على اعتبار أن الدراما في الداخل الجزائري هي دراما بشكل من الأشكال بعوائقِ في قبولها الشعبي بمقاسات اللهجة وحميمية اللسان من العاصمة
لذا فضل المنتجون الجزائريون هذا الاشكال على اعتماد اللسان العاصمي فصلا فرديا لا يخضع لاستراتيجية و مميزات الدراما على اعتبار قارة الدولة وقارة الدراما فيها ، وربما هو فصل حميد ولائق حسبهم، وربما دون الفصلين معا وإن دوامة العجلة الربحية وغياب الرؤية الاستراتيجية للدراما التلفزيونية من أنتج هذه العيوب وستصير طاغية في قابل الأعوام، فكيف لم ينتبه صناع الدراما أن البهارات اللغوية واللهجات والعادات السلوكية من دراما الداخل ستعطر ثراء للدراما العاصمة، فأجمل الدراما المصرية هي تلك القادمة من الصعيد المصري
هل مسموح الحديث عن خريطة للدراما الجزائرية الرمضانية ، هذه الخريطة التي أهملت الداخل ، الجهات ، النواحي من تأسيس دراما تكون قريبة من ناسها أو الحضور في دراما العاصمة لكي تكون دراما جزائرية الامتداد ، ربما الدراما القسنطينية من أكثر درامات الجهات الغائبة و منذ سنوات رغم كفاءة كوادرها و الممثلين و سلاسة اللهجة القسنطينية من الشرق الجزائري ، فلو حاولنا التأسيس لقلنا إن السيتكوم الجزائري أصله من قسنطينة ، فلماذا يا ترى نفد هذا الاستغناء عنها؟ وجواب السؤال قد يطول ، لكن إن الحال نفسه بالنسبة إلى الدراما الغرب ودراما الصحراء ودراما الهضاب العليا والسهوب ودراما قصص الدواويير و الأرياف بلهجاتها وعاداتها وقد وضع فناني هذه الجهات جانبا رغم جدارة ما يقدمون.
على الدراما العاصمية أن تهتم أكثر بالانتشار على مستويات إنتاجية سيما بالتلفزيون الجزائري الذي عليه الأخذ بعين الاعتبار هذه الدرامات و دعمها إنتاجيا من أجل تحقيق عدالة الدراما وعدم ابقائها في العاصمة، و في المقلب الآخر أعتقد أن الأمر مرتبط بميولات أفراد ممن يتصدرون الإنتاج ضمن اختيارات ربحية يقوم عليه الإنتاج لكن هذه الاختيارات تفقد الوعي المكتمل في عدم فرض فقط نوع من الدراما قصص وحوارا ، ولو سلمنا أن الخواص يفعلون هذا فإن التلفزيون الحكومي لا يملك أية صوابية بل يبدو أنه يحتاج إلى استراتيجية للانتشار الدرامي الجزائري و إنتاجه وفي البال أنه تلفزيون الجزائر القارة
يسين بوغازي