ضمت الحكومة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون التي أعلن عنها بُعيد أيام قليلة من تأديته لليمين الدستورية، وزيرة للثقافة، وكاتب دولة مكلفا بالصناعة السينيماتوغرافية، وكاتب دولة مكلفا بالإنتاج الثقافي.
هذا الاهتمام بالثقافة، أثار استغراب العديد من المراقبين والمتابعين للشأن العام ببلادنا، كون الثقافة في الجزائر، وعلى عكس الحاصل في معظم بلدان العالم، ظلت ومنذ مطلع الاستقلال، مركونة دائما في آخر عربة من عربات الحكومات المتعاقبة.
السؤال الذي يفترض أن يُطرح في هذا المقام هو، ما الذي تغير حتى تنقلب النظرة إلى الثقافة وبهذه السرعة، من حقيبة واحدة ووحيدة موضوعة في آخر الحقائب الحكومية، إلى ثلاث حقائب شاملة لمختلف النشاطات والأنشطة الثقافية بأبعادها المختلفة الأشكال والأنواع والأبعاد؟
الشائع عندنا، أن الثقافة مجرد ترف لملء الفراغ، وهي مجال يصرف عليه من المال العام ولا مردود له، بالرغم من أنها وفي كل دول العالم، خاصة الدول المتقدمة منها، صناعة قائمة بذاتها ومردودها المادي لا يختلف عن مردود أي صناعة أخرى، إضافة إلى عوائدها الأخر ذات الأبعاد النفسية والمعنوية على الشعوب، وهي عوائد أهم بكثير وأبعد وأعمق من كل العوائد المادية الأخرى، بما في ذلك عوائد الصناعة البترولية، ولنا في نموذج الصناعية “الهوليودية” التي تدر على أصحابها سنويا ما يزيد عن الثلاثمائة مليار دولار، خير دليل وخير مثال على ما نذهب إليه.
مع التنبيه هنا إلى الإنتاج السينيمائي في هوليود، ليس هو كل الثقافة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما هو جزء من الثقافة فقط، والأمر ينطبق على دول عربية وإسلامية وإن كان بدرجة أقل، ولعل في التجربة المصرية والتركية، نموذجان صارخان على أن السينما ليست مجرد ترف، وإنما هي صناعة ذات مردود مادي ضخم، بالإضافة إلى أنها حاملة لمشاريع سياسية وتاريخية لا تقل أهمية وخطورة عن عمقها وأبعادها المادية، ويخطئ من يظن أن الهيمنة الغربية على عالم اليوم هي بفضل الإقتصاد والقوة العسكرية فقط، بل ودون مبالغة، نقول أن دور الصناعة السينيماتوغرافية والثقافية بشكل عام، أعمق وأخطر من دور كل الصناعات المدنية والعسكرية الأخرى، لأنها وببساطة تُطور وتصنع صانع كل السياسات الذي هو الإنسان.
وفي المحصلة النهائية نقول بأن اجتهاد الرئيس عبد المجيد تبون، بتخصيصه ثلاث حقائب وزارية في أول حكومة له، لم يكن اجتهادا خاطئا، وإنما المخطئون هم الذين استغربوا خطوته، والمخطئون هم المثقفون بشكل عام وناشطوا الثقافة في الميدان الذين عجزوا عن تحويل هذا الإجتهاد إلى مشاريع عمل تفرز واقعا آخر غير ذلك الذي ألفناه، والذي يركن الثقافة في آخر عربة من عربات الحكومة.
بقلم: ماهر عبد الرشيد